عذراً صلاح الدين
عذراً لك يا صلاح الدين ، وألف عذر ، أنت الذي طردت الفرنجة القدامى من بلاد الشام ومصر والعراق ، وأنت الذي حررت دمشق والقدس من أيديهم ، وقد قلت قولتك المشهورة : " لن يرجعوا إليها مادمنا رجالاً " ، عذراً لك يا صلاح الدين ، لقد رجعوا لقد رجعوا في المرة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى ، ولما دخل قائدهم إلى دمشق ، ووقف عند قبرك ، وقال : ها قد عدنا يا صلاح الدين ، فعذراً وألف عذر ، لقد رجعوا مرة ثانية بسبب أخطاء ارتكبها بعضنا ، ولسان حالهم يقول ثانية : ها قد عدنا يا صلاح الدين ، ولئلا تقلق علينا كثيراً ، إنهم يقولون : إنما عادوا كي ننعم بحرية كحريتهم ، وسلام كسلامهم ، ورخاء كرخائهم ، ولا أتمنى عليك يا أيها القائد الفذ أن تسألنا : أهم حققوا هذه الأهداف بوسائل من جنسها ، أم بوسائل مناقضة لها ؟ من أجل أن تكون مستريحاً لا تسأل ، إن وسائلهم كانت إفقاراً وإضلالاً ، وإفساداً وإذلالاً ، إنها ردة ولا صديق لها ، إنها هجمة تترية ولا قطز لها ، إنها حملة إفرنجية ، وأنت غائب عنها ، فعذراً لك يا صلاح الدين ، لقد كنت دائماً ترتسم معالم الحزن و الأسى على وجنتيك ، ولم يكن للابتسامة مكان ولا نصيب على شفتيك ، لما كنت تسأل : لماذا لا تضحك يا صلاح الدين ؟ كان جوابك المتكرر : والله إني أستحي من الله أن أضحك ، وما يزال المسجد الأقصى بيد المعتدين ، عذراً لك يا صلاح الدين ، أنت الذي وصلك خبر مؤلم أن أمير الفرنجة أرناط اعترض قوافل الحج ، وأقام في قلعة الكرك في الأردن ، وراح يقطع الطريق على الحجاج المسلمين المتوجهين من الشام نحو الحجاز ، فكان يقتل الرجال ، ويسبي النساء ، وهو يقول لهم : نادوا محمدا لينتصر لكم ، فلما سمعت ما قاله بكيت ، وانسابت الدموع من عينيك ، وقد قلت قولتك المشهورة : " أنا سأنوب عن رسول الله بنصرة أمته " ، وهذا ما كان منك أيها البطل ، ما هدأ لك بال ، ولا سكنت لك جارحة حتى وفيت بوعدك يوم حطين ، يوم انتصرت على ملوك أوربا وأمرائها ، ويوم وقع أرناط في الأسر ، فمثل بين يديك ، وذكرته بما قال ، وقلت له : يا أرناط ، أنا أنوب اليوم عن رسولالله بالدفاع عن أمته ، ولم تذكر الروايات التاريخية أنك تأكدت من شخصية أرناط بفحص حامضه النووي ، عذراً لك يا صلاح الدين ، وألف عذر ، أنت الذي كنت كل مساء بعد أن ترجع من قتال الأعداء القدامى يوم حطين ، كنت تخلع عباءتك وعمامتك ، وتنفض ما علق بها من غبار في كيس ، وتجمع ذلك الغبار حيث أوصيت أولادك أن إذا مت أن يضعوا هذا الغبار تحت رأسك ، حتى إذا جاءك الملكان في القبر يسألانك كما يسأل كل إنسان عند موته في قبره ، فإذا رأيا ذلك الكيس من الغبار قال : ما هذا الكيس يا صلاح الدين ؟ فتقول لهم : هذا غبار الجهاد في سبيل الله .
يا سعد بلغ خالداً أن القتال له رجال،عذراً لك يا صلاح الدين،وألف عذر،يا من هزمت الفرنجة القدامى حتى أصبح اسمك على لسان النساء في أوربا يخوف بك أولادهن في الليل ليناموا،نم يا ولدي،وإذا لم تنم فسيطلع علينا صلاح الدين،لقد قذفت الرعب في أهل أوربا،وشكلت لهم عقدة نفسية اسمها صلاح الدين،عذراً لك يا صلاح الدين،وألف عذر،يا أيها القائد الفذ،لم حل بنا من بعدك،ومن أجل أن تبقى منسجماً مع إيمانك الكبير بالله نقول لك،والأسى يعتصر قلوبنا : هان أمر الله علينا فهنا من بعدك على الله ، هان أمر الله علينا فهنا من بعدك على الله، قال تعالى :
"وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير"
[ سورة الشورى : 30]
هنا على الله بعد أن هان أمر الله علينا،وقد تحققت نبوءة القرآن فينا، قال تعالى :
فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلواة واتبعوا الشهوات
[ سورة مريم : 59]
ومن أجل ذلك نطمئنك،ونذكرك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دافعت عن المسلمين نيابة عنه (لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، وهم على ذلك ، فقال مالك : سمعت معاذاً يقول : وهم بالشام )).
[ متفق عليه ]
قال مستشارك ومرافقك : كنت خاشع القلب ، غزير الدمعة إذا سمعت القرآن الكريم ، أو تلوته دمعت عيناك ، وكنت رحمة الله عليك كثير التعظيم لشعائر الدين ، وكنت ناصراً للتوحيد ، وقامعاً أهل البدع ، لا تؤخر الصلاة عن وقتها ، وكانت لك ركعات تصليها في جوف الليل ، وكنت إذا سمعت أن العدو داهم المسلمين خررت إلى الله ساجداً لله تدعو بهذا الدعاء : إلهي انقطعت أسبابي الأرضية من نصرة دينك ، ولم يبق إلا الإخلاد إليك ، والاعتصام بحبلك ، والاعتماد على فضلك ، أنت حسبي ، ونعم الوكيل .
إخوانى وأخواتى ، يقول عليه الصلاة والسلام ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة))
صحيح البخاري