--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,,,
طالبُ علمٍ ولكنَّه جَاهِلْ !!
إنَّ ممَّا يؤلم القلب أشدَّ الألم أن يجد العبد نفسه مبصراً للطريق، ولكنَّه يضعف عن السير فيه.. أو يجد نفسه عالماً بما ينبغي أن يقوم به من عمل، ولكنَّه لا يجد في نفسه همة للفعل والأداء..
فقد يعلم العبد الدَّاء والدَّواء ولكن يضعف عنده العمل، فهو يصف الطَّريق ولا يسير فيه، ويعلم الدَّاءَ وهو مصاب به.. هذا هو حال طلاَّب العلم اليوم، الذين تعلَّموا ولم يعملوا
فقد وصف حالهم ابن القيم وهو يقول عنهم:
" يبصر الحقائق ولا يعمل بموجبها، ويرى المَتَالِف والمَخَاوف والمعاطب ولا يتوَقَّها، فهو فقيهٌ ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التَّخلف وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله " .فاعلم يا طالب العلم:
أنك سوف تسال عن علمك هل عملت به ؟
فعن أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... وذكر " وعن علمه ماذا عمل فيه ؟ ".
وعن أبي الدرداء قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت يا عويمر إذا قيل لك يوم القيامة أعلِمت أم جهِلْت ؟ فإن قلت: علِمت. قيل لك: فماذا عملت فيما تعلَّمت ؟ وإن قلت: جهلت. قيل لك: فما كان عذرك فيما جهلت ألا تعلَّمت ". (حديث ضعيف )
فماذا ستقول أنت يا طالب العلم؟!
فإنه ليحزنني أن أرى كثيراً ممن لا يعلمون مثل علمك، ولا يقولون مثل قولك، وليس لديهم فصاحة كفصاحتك، فأراهم أقوى منك قلبًا، وأكثر منك عملًا، وأشد منك خشيةً لله وحماسةً للدين وغيرةً عليه.. أفلا أحزن عليك ولسان حالك يقول:
كم أغدوا إلى طلب العلم مُجِدَّا في جمع ذاك حفيَّا
طالبا منه كل نوع وفـنٍّ وغريب ولست أعمل شيَّا
وإذا كان طالب العـلم لا يعمل بالعلم كان عبدا شقيَّا
إنما تنفع العـلوم لمـن كان بها عاملا وكان تقيَّا
أخي الحبيب:
ألا أوصيك بوصيَّة ممن سبقنا بالتعلم والعمل الوفير، هذه وصية عالمٍ حبر يرسلها من بغداد يقال له الخطيب البغدادي.. فيقول:
إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه.. وإجهاد النفس على العمل بموجبه.. فإن العلم شجرة والعمل ثمرة..
وليس يُعَدُّ عالما من لم يكن بعلمه عاملا.. وقيل العلم والد والعمل مولود.. والعلم مع العمل والرواية مع الدراية.. فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشا من العلم.. ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل.. ولكن اجمع بينهما وإن قلَّ نصيبك منهما..
وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته.. والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجى في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة وتمم على عبده النعمة..
فأما المدافعة والإهمال وحُبّ الهوينى والاسترسال وإيثار الخفضِ والدعة والميل مع الراحة والسعة.. فإن خواتم هذه الخصال ذميمة وعقباها كريهة وخيمة.. والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة.. ونعوذ بالله من علم عاد كلاًّ وأورث ذلاًّ وصار في رقبة صاحبه غلا " .
فهل عقلت لما يقول أم عدت بلا زاد ؟!
تذكر أنَّ ما أدركه السلف من الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا وزخرفها.
واعلم أخي الحبيب ـ أخيراً ـ : أنك إن لم تعمل بعِلْمك فأنت عن حقيقة العلم وشرف غايته غائب، وإما ضللت طريقه وما كنت له من المهتدين، فعليك أن تحُثَّ الخطى في العمل بما تعلم، وتُخطِّط إلى الوصول إلى الكمال في كل ما تعلم، فَأكثِر من العَمَلِ بما تعلم.